2020/11/28

الصورة النمطية للمرأة التونسية في الاعمال الدرامية

صورة المراة في الاعمال الدرامية

لفت نظر، تغيير موعد بث المسلسل لتضمنه مشاهد عنف من شأنها التأثير على بعض الفئات الحساسة و خاصة منهم الأطفال، الاستغناء عن بعض المشاهد… تكررت قرارات الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري بتونس –الهايكا- المتعلقة بمسلسل أولاد مفيدة ل 5 مواسم منذ انطلاقه سنة 2015 إلى غاية 2020.

المسلسل يتناول قصة أم معيلة لثلاث أولاد في سن الرشد في تفاعل مع محيطهم الاجتماعي والعلائقي والحميمي وهو ما أكدته مخرجة المسلسل في موسمه الخامس سوسن الجمني « ماجبناش الجديد هاذي قضايا لتوة تتطرح قضايا لتوة مازالت تتناقش كيف قضايا العنف ضد المرأة ».

وحيث يتضمن المسلسل معالجة، نختلف معها أو نتفق لقضايا مثل تعاطي المخدرات، العنف، الخيانة، الدعارة، القتل، الغدر، العلاقات خارج إطار الزواج، الأطفال دون نسب….فإن القائمين عن العمل كثيرا ما دافعوا عنه باعتباره مرآة للمجتمع التونسي « التونسي مايحبش يشوف روحو برشا مايحبش يشوف العيوب متاعو » وهو ما صرحت به أيضا المخرجة سوسن الجمني.

في المسلسل شخصيات نسائية عديدة : أم تعيل أولادها ومن ضمنهم واحد خارج إطار الزواج وتتستر على تجاوزاتهم الكبرى في حق الآخرين، امرأة ناجية من العنف و »منكسرة »، فتاة قتلت أباها دفاعا عن أمها، فتاة خانت خطيبها فقام بقتلها وأخرى تصاحب الرجال في سهراتهم بمقابل، أم هجرت والد ابنها وابنها بحثا عن عمل خارج حدود الوطن، امرأة تقع في غرام قاتل زوجها وترتبط به دون أن تعلم بجريمته وحتى المحامية، تقرر العيش مع مجرم ارتكب جرائم عديدة والمرأة المسنة « العادية » هي دائما متطلبة. وعندما تقوم الأم باختيار زوجة لابنها البكر، فإنها تلجأ إلى المواصفات المتداولة في المجتمع : « رصينة »، « ابنة عائلة »، تعتني به وتصون شرفه…
ورغم أن المسلسل حاول تقديم صورة متوازنة لبعض الشخصيات لا تتجاوز أدوارها عدة أيام أو موسمين من المسلسل مثل دور الأب الذي جسده الممثل فتحي المسلماني، الملتزم مهنيا و عائليا و المحافظة على صورة الأب داخل الأسرة وشخصية أخرى فيها من الحكمة و الوقار و تقديم النصيحة. وظلت الشخصيات النسائية تقريبا كلها، لا شيء يوحي بأنها متوازنة ولا يقدم المسلسل من ضمنها نموذجا واحدا متوازنا أو أنه يكون نقيض النماذج الأخرى.

إلى أي مدى عكس المسلسل صورة المرأة في الواقع؟ وإلى أي مدى يمكن اعتبار العمل الدرامي مؤثرا في تكريس الصور النمطية للمرأة؟

في كل موسم درامي، تكون صورة المرأة موضع اختبار و محور اهتمام و كثيرا ما تتعرض المسلسلات إلى الكثير من الانتقادات لإخراجها صورة المرأة في مظهر الضعيفة و الخاضعة لسلطة الرجل أو في شكل سلعة من الجسد.

ولئن يتضمن المجتمع التونسي-كما بقية المجتمعات- مثل هذه النماذج، إلا أن نماذج أخرى متعددة ومتنوعة، بالكاد نراها في إنتاجنا الدرامي، مع بعض الاستثناءات التي تجمع بين أكثر من نموذج في عمل واحد أو أنها تركز على نماذج المرأة المستقلة و المرأة القادرة و الفاعلة والمرأة الطموحة…

الدراما بين التعرية التامة….والتغيير

وبين من يراها انعكاسا للواقع وتبقى الدراما محل جدل بين من يرى فيها حمالة تغيير و التزاما بقضايا بعينها تقول الممثلة اللبنانية كارمن لبس » التمثيل هو حقيقة أخرى يسعى إليها الممثل لطرح قضية أو للإجابة عن سؤال فاعل مؤثر في المجتمع و انطلاقا من هذا الأساس لابد للممثل أن يتمتع بقوة وعي ثقافي تؤهله لممارسة دوره بامتياز و ليكون بمستوى الحالة التي يجسدها ». ويعتبرها تحدث المنتج السينمائي المصري محمد العدل أداة سمو بالذوق العام والتفكير ف »الفن هو ما يطلق عليه غذاء العقل وهو ما يدفع بالفرد إلى أن يصبح أكثر رقيا من خلال طرح ما يريده الفرد وبالتالي تستطيع ان تقضي علي القوى الظلامية » هكذا تحدث المنتج السينمائي المصري محمد العدل عن دور الفن في المجتمع. ويحمل المخرج المغربي عبد الاه الجوهري خلال حضوره أحد البرامج التلفزية الفن مسؤولية جيل بأسره عندما قال « إن الفن مهم جدا في خلق جيل جديد في كل المجالات سواء كانت أفلام سينما أو موسيقى وغيرها من الفنون ».

وحيث أنه من المفترض أن يتموقع الجدل حول الصورة والخطاب والرسالة والهدف والذوق وصون الكرامة… غير أن النقاشات اليوم، حصرت في قالب أخلاقي/ أخلاقوي وأحيانا إيديولوجي وحتى سياسي وتتم في الأغلب في الفضاءات الافتراضية لتتحول إلى شتم وثلب وأحكام تقييمية…، بل إنه نقل من تلك الفضاءات إلى فضاءات وسائل الإعلام التقليدية ليعيد إنتاج أو تكريس نفس النقد المنحصر في قالب بعينه. لذلك لم يرتقي حتى النقاش للجدل حول ماهية الفن وأهدافه وأدواره وموقع فئات بعينها فيه، خاصة إذا ما لوحظ تواتر في الطرح ذاته، كما رأينا مع أهل الريف أو المرأة…

وإذا ما كانت الدراما مرآة تصور الواقع بجماله و قبحه، خيره و شره، فإن سيناريو الكاتب أو كاميرا المخرج يمكن أن تطرح هذا الواقع بأسلوب يقبله المتفرج و يتفاعل معه أو بطريقة ينفر منها المشاهد و لا يتقبلها أو أنها تكرس في ذهنه صورا يقبلها ويتعود عليها ليجدها في آخر المطاف « عادية » عندما تحدث في الواقع. و ليست صورة المرأة بمعزل عن هذه المقاربة.

أعمال رمضان الدرامية التونسية لسنة 2020، لم تخرج عن سياقها المعتاد في بث مشاهد استيلاب حقوق المرأة و كرامتها و خضوعها لسلطة الرجل و قهر المجتمع الذكوري. مشاهد كثيرة أثارت الانتقاد والسخرية على غرار مشهد من مسلسل « قلب الذيب »، وفيه تجلس الممثلة لطيفة القفصي أمام زوجها لتقوم بغسل رجليه، ما جعل جمعية أصوات نساء تندد « بالتجاوزات المتكررة » في مضامين المسلسلات و البرامج الرمضانية و توجهت بنداء عاجل لهيئة الاتصال السمعي البصري للبت في هذه التجاوزات التي تضمنتها برامج و مسلسلات رمضانية تبث على وسائل اعلام عمومية و خاصة و ذلك وفقا للفصل 11 من القانون عدد 58 المتعلق بمناهضة العنف ضد النساء مؤكدة أن « حرية التعبير و حرية اختيار مضامين الإعلام و تجسيد الواقع و اعتماد النمط الساخر و الهزلي لا يعنيان بأي حال من الأحوال انتهاك حقوق الإنسان أو المس من كرامته أو اعتماد صور تمييزية و تحقيرية للنساء و لكافة فئات المجتمع ».

مفارقة الإقبال والاتهامات

« نحبك تجبد روحك يا بابا تجبد روحك و تنساها ماهياش اول مراة وعدوها بالعرس و مبعد مشاو »، « يا بهيم نحبك و نحبك تتهنى كيما خوك أما كيف نراك باش طيش روحك في هفهوف و مكركرنا معاك اش تحبني نقلك صحيت »، « تحب تعرف على شنية يا ابراهيم أنا اللي قتلت الشريف خنقتو بيديا الزوز قتلتو على خاطر طلع بابا و طلعت فرخ حرام »، » باش تخرج تعمل قهوة مع صاحباتي ماسمعتش اش قلت يظهرلي حبيت تقول نجمشي نمشي نعمل قهوة مع صاحباتي »… جمل تكررت في مسلسل أولاد مفيدة الذي تصدر طيلة مواسمه الخمسة ترتيب الأعمال الدرامية و الذي تخطى حدود الوطن ليحظى بمتابعة من الجزائر و المغرب و الذي حصد جملة من الجوائز في ليلة الدراما  من بين الجوائز جائزة أحسن إخراج، أحسن سيناريو… سيناريوهات و إخراج تكرر وتكرس مشاهده الصورة النمطية المرأة الراضخة، المرأة التي بسبب تغير حالتها الاجتماعية و المدنية تتغير نظرة المجتمع لها، للأم الباحثة عن الأفضل لابنها دون مراعاة كرامة المرأة…

صور نمطية مبنية على أساس الجنس من خلال تفضيل الذكر على الأنثى » ولدي راجل مايعيبو شي » و الجانب الجنسي » اللي صبرت دارها عمرت » و الجسدي…

انتاجات لا تعكس الواقع بكافة نماذجه مقارنة بإنتاجات سابقة. إنتاجات درامية تلفزيونية رائدة صاغها مخرجون رواد حرصوا على التعامل بجدية وحرفية ومسؤولية مع المنتوج الدرامي الذي يقبل عليه المشاهد التونسي بشكل كبير في شهر رمضان من كل سنة على وجه الخصوص.

و لا ننسى التكريس لهذه النماذج مقارنة بالرجل وبتواتر ملفت للنظر. فقد أكدت الدراسة الصادرة عن الهايكا حول موقع و صورة النساء في الأعمال الدرامية اكدت تفوق حضور النساء على الرجال حسب الحالة المدنية للشخصيات الرئيسية و الثانوية المتواترة في المسلسلات التونسية في ظهورها في شكل المرأة المطلقة و الأرملة بنحو 11 بالمائة و قرابة 8 بالمائة في شكل المرأة التي تقيم علاقة معاشرة خارج إطار الزواج، مقابل قرابة 9 بالمائة و 5 بالمائة للرجل في هذه الوضعيات.

والمعلوم أن الدراما تتابع بشكل كبير خلال شهر رمضان، من كافة أفراد العائلة مجتمعين، صغيرهم وكبيرهم، و هو ما يضعهم أمام صور عديدة من المفترض أن تكون متنوعة وثرية بالمعني، الإيجابية منها والسلبية وبقيم تعدل وفق الحبكة الدرامية. في المقابل، نجد أن العنوان الأكبر للدراما التونسية هذا الموسم كان « للكبار فقط »رغم شعبيتها وتحقيقها لملايين المُشاهدات على موقع « يوتيوب ».

فهل أن أعمال ما بعد الثورة  جاءت لتكريس العنف  والتطبيع معه والتركيز فحسب على مظاهر سلبية للمجتمع، تدور معظمها حول أو في فلك امرأة؟

يقول كاتب السيناريو يسري بوعصيدة « للأسف مثلما يوجد جمهور منتقد، هناك آخر متابع بشدة، وإلا لما حققت تلك المسلسلات نسب المشاهدة الكبيرة ». و أكد أنه لا يجوز عرض تلك الأعمال خاصة في شهر رمضان لما تحتويه من مشاهد عنف و صور نمطية مثل مسلسل أولاد مفيدة الذي زادت فيه الجرعة.

والمفارقة التي تستوجب التعمق فيها، هي تلك التي تجمع بين الإقبال من ناحية، واتهامات رواد مواقع التواصل الاجتماعي بتغذية المجتمع بمشاهد العنف و التطبيع مع ما يتنافى و المجتمع و مطالبات بمقاطعة المسلسل لما اعتبروه إهانة للتونسيين و ضربا للهوية التونسية ببث السموم في البيوت.

بعض من الإجابة أتى على لسان الاخصائي النفساني عاطف اللبادي وتتمثل في  » ترك المشاهد مسافة مع الصورة لما تحتويه من إيحاء و الابتعاد عن المحتوى، لتجاوز التأثير و التطبيع مع ما يقدم إضافة الى ضرورة تحمل المخرج و السيناريست المسؤولية تجاه المجتمع فالمبدع مواطن و شريك في الوطن » و يضيف  » نحن لسنا في حاجة إلى تعرية الواقع، بقدر حاجتنا إلى نقاش عميق و تحويرات لمقاومة الصور النمطية و التهميش و التتفيه ».

و يؤكد عاطف اللبادي على أهمية الاعلام العمومي بما أنه حامل رسالة تربوية تثقيفية و تنموية و ضرورة الابتعاد عن الاعمال التي تكرس الصورة النمطية و التمييز على أساس النوع الاجتماعي التي يتم تكريسها و هي تعد بداية عملية التعديل في الأعمال الدرامية » . من جهته، حمل الممثل المسرحي و الكاتب نور الدين الهمامي مسؤولية تكريس الصورة النمطية إلى شركات الإنتاج التي لا هاجس لها سوى الجانب الربحي، إضافة إلى المنافسة في تقديم الأعمال الرمضانية و عدم التركيز على الجودة.

ورغم أهمية الفن و الدور الفعال الذي يلعبه في تغيير الواقع والرفع من الذوق العام وتكريس القيم، و رغم الدعوات إلى ايقاف نزيف النمطية و صرخة الفزع على ما آلت إليه الدراما التونسية وانعكاساتها على المجتمع خاصة في مدى احترام كرامة الإنسان احترام المرأة وعكس واقعها مناصرة لتغييره، و رغم سعي بعض الجمعيات الحقوقية إلى استرجاع الدور الفعال الذي تلعبه المرأة في المجتمع، إلا أن الجدل ويظل قائما كل سنة تزامنا مع الأعمال الدرامية الرمضانية.

ايمان مرعي 



المقال الأصلي: الصورة النمطية للمرأة التونسية في الاعمال الدرامية نشر في إذاعة الكاف

0 تعليق:

إرسال تعليق